ادعمنا

الجريمة السياسية - Political Crime

ترتبط الجريمة السياسية بالسلطة والنظام الحاكم ارتباطاً وثيقاً، حيث يعد الإجرام السياسي قديم قدم السلطة، فمنذ أن وجدت السلطة في المجتمعات البشرية قام في وجه الحاكمين والقابضين عليها الكثير من الأعداء والمعارضون إما للقضاء عليها أو الإحاطة بها، لهذا لم يكن المجرم السياسي قديماً موضع رحمة أو احترام، كما ولم تكن فكرة الجريمة السياسية مقبولة حيث أن معظم الاتفاقيات التي كانت تبرم بين الملوك والأمراء والسياسيين قديماً كانت تستهدف المجرمين السياسيين بشكل مباشر، وبدأت فكرة الجريمة السياسية تتبلور في العصور القديمة بدءً من عصر الرومان واليونان والمصريين القدماء إلى العصور الوسطى والقرون الأولى من بدايات العصور الحديثة، لكن النظرة نحو الجريمة السياسية والمجرم السياسي تحولت من القسوة إلى الرفق ومن الشدة إلى اللين عند مستهل القرن التاسع عشر وذلك لأن المجرم السياسي لا ينطوي فعله على الشر المحض والإجرام وإنما يقصده بفعله إصلاح النظام الحاكم ومصلحة الوطن ، وهذا التحول في النظرة نحو المجرم السياسي بدأ على يد الفقيه الفرنسي "غيزو" حينما نشر كتابيه الشهيرين "التآمر على سلامة الدولة والعدالة السياسية"، "عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية" حيث أنه وفي هذين الكتابين هاجم عقوبة الإعدام والعقوبات المشددة في الجرائم السياسية وعمل على مهاجمة الاضطهاد وطالب بمعاملة رحيمة للمجرمين السياسيين تبعاً للأهداف النبيلة التي يحملونها، لذا فإن هذا الفقيه الفرنسي كان أول من أزاح الستار عن حقيقة المجرم السياسي على أنه ليس مجرم بل يسعى نحو الوطن،

ونتيجةً لذلك تم الأخذ بهذا الرأي لدى أصداء المشرعين واتجهوا نحو التخفيف عن المجرمين السياسيين وصدرت قوانين عدة لدى الدول والأنظمة القانونية تلغي عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة عن المجرمين السياسيين وتمنح المحكوم عليهم بمعاملة عقابية عادلة لا يحظى بها غيرهم من المحكومين في الجرائم العادية، فبتقدم الأفكار الحرة وحدوث الكثير من الانقلابات السياسية والاجتماعية أخذ المجتمع ينظر إلى الجريمة السياسية نظرة مختلفة عن تلك التي كانت تعتبرها فعلاً خارجاً عن المألوف، وتتميز الجريمة السياسية بكونها ذات مفهوم نسبي متغير بتغير الزمان والمكان، حيث أن الجريمة السياسية تختلف باختلاف التشريعات والأنظمة القانونية، ونتيجةً لأهميتها استدعت الحاجة الدولية نحو الخوض فيها وتوضيحها فكانت الجريمة السياسية موضع اهتمام على المستوى المحلي والدولي.

 

تعريف الجريمة السياسية لغةً

إن مصطلح "الجريمة السياسية" هو مصطلح مركب من كلمتين، الكلمة الأولى "جريمة" والكلمة الثانية "سياسية"، فالكلمة الأولى "جريمة" مشتقة من الفعل "الجُرم" الذي يعني باللغة العربية الذنب، ويقال أجرم جرماً بمعنى أذنب، وتجرم عليه أي ادعى عليه ذنبا لم يحمله، وأجرم: ارتكب جرما، فالجارم والمجرم هو المذنب، والجُرم والجريمة: فعل الذنب.

في حين أن الكلمة الثانية "سياسة" مشتقة من الفعل "سَاسّ" فيقال سَاسَ الناس سياسة أي : تولى رئاستهم وقيادتهم، وسَاسَ الدواب بمعنى : راضها وأدبها، وسَاسَ الأمور بمعنى : دبرها وقام بإصلاحها، وسَاسَ القوم فلاناً بمعنى: ولوه رئاستهم، ويقال أساسوا فلاناً أمورهم بمعنى : ولوه إياها، ويقال أيضاً سَوسَ القوم فلاناً بمعنى أساسُوه أمورهم.

 

التعريف الفقهي للجريمة السياسية 

انقسم الفقه في تعريفه للجريمة السياسية إلى ثلاثة اتجاهات، اتجاه أول يعتمد المعيار الموضوعي، واتجاه ثان يأخذ بالمعيار الشخصي، والثالث يجمع بين المعيارين الشخصي والموضوعي (المذهب المزدوج)، وهم على النحو التالي:

أولاً: المذهب الموضوعي: يرى أصحاب هذا الاتجاه على أن موضوع الجريمة هو الذي يحدد طبيعة الجريمة السياسية مهما كان الباعث على ارتكابها، فالجريمة السياسية هي التي تنطوي على معنى الاعتداء على نظام الدولة السياسي سواء من جهة الخارج، أي المس باستقلالها أو سيادتها، أو من جهة الداخل، أي المساس بشكل الحكومة أو نظام السلطات أو الحقوق السياسية للأفراد والجماعات.

ثانياً: المذهب الشخصي: يقوم تعريف الجريمة السياسية في هذا المذهب على الهدف من الجريمة والباعث على ارتكابها الذي يكون غرضا سياسيا، وذلك على خلاف المذهب الموضوعي الذي ينطلق من طبيعة الحق المعتدى عليه. ويعرف أنصار المذهب الشخصي الجريمة السياسية بكونها الجريمة التي ترتكب لتحقيق أغراض سياسية أو تدفع إليها بواعث سياسية، فالجريمة العادية إذا كان الهدف منها ينطوي على باعث أو رغبة سياسية تعتبر جريمة سياسية.

ثالثاً: المذهب المزدوج: في إطار التوفيق بين المذهبين الموضوعي والشخصي يذهب أنصار المذهب المزدوج إلى ربط الجريمة السياسية بالمعيار الموضوعي (طبيعة الحق المعتدى عليه) والمعيار الشخصي (الباعث لدى الجاني والهدف الذي يرمي إليه)، وعرفوا الجريمة السياسية على أنها "الجريمة التي يكون الباعث الوحيد منها محاولة تغيير النظام السياسي أو تعديله أو قلبه. ويشمل النظام السياسي استقلال الدولة وسلامة أملاكها وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وشكل الحكومة ونظام السلطات وحقوق الأفراد السياسية، فكل تعد مباشر على هذه النظم يكون جريمة سياسية".

 

تعريف الجريمة السياسية اصطلاحاً 

يعتبر مفهوم الجريمة السياسية من أكثر المصطلحات أو المفاهيم القانونية تعقيداً وغموضاً، ونتيجةً لذلك استعصى على الفقه والقضاء إيجاد تعريف واضح ومحدد لها، كما وعزفت معظم الدول عن وضع تعريف خاص للجريمة السياسية ضمن نصوص تشريعاتها القانونية الوطنية رغم تزاحم المحاولات الدولية لتنظيم الإطار القانوني للجريمة السياسية، وتعود هذه الصعوبة في تحديد تعريف محدد هو الطبيعة المعقدة للجريمة السياسية في حد ذاتها بالإضافة إلى اختلاف رؤية الدول من حيث معالجة هذا النوع من الجرائم وفقاً لطبيعة نظامها السياسي واحتراماً لمعايير حقوق الإنسان، حيث أن الجريمة السياسية تختلف في تعريفها باختلاف النظام السياسي السائد لدى الدولة، وبالتالي إذا كان لزوماً إعطاء تعريفاً مناسباً لها فينبغي مراعاة الاختلاف في النظم السياسية القائمة، كما أن الجريمة السياسية تمتاز بخصوصية معينة تميزها عن غيرها من الجرائم التي قد تتشابه معها في وصفها لا في أركانها أو أبعادها القانونية، وللجدير بالإشارة إلى أن أول تشريع عقابي عرف الجريمة السياسية هو التشريع الألماني والذي عرفها في المادة الثالثة بأنها (الجرائم الموجهة ضد كيان الدولة أو سلامتها وضد رئيس الدولة أو أحد أعضاء الحكومة بوصفه عضواً في الحكومة وضد الحقوق السياسية، والجرائم التي من شأنها المساس بالعلاقات الحسنة مع البلاد الأجنبية)، وعرفها المشرع الإيطالي بالقول (يعتبر إجراماً سياسياً كل جرم يضر بمصلحة سياسية من مصالح الدولة أو بحق سياسي من حقوق المواطنين، وكل جريمة من الجرائم إذا كانت الدوافع إليها كلاً أو بعضاً دوافع سياسية)، وفي إطار تحديد تعريف محدد للجريمة السياسية وبعد استقراء التعريفات المختلفة التي أوردها العديد من الفقهاء والمعاصرين والتشريعات فإنه يمكن تعريف الجريمة السياسية على أنها مجموعة من الأفعال والأقوال المقصودة والتي يتم من خلالها الاعتداء على رجال الدولة أو أصحاب السلك الدبلوماسي أو قادة الفكر السياسي أو أفراد أو جماعات بسبب ما يحملونه من أراء سياسية، وتعتبر الجريمة السياسية من الجرائم الموجهة نحو المصلحة العمومية للدولة ولكن أذاها وأضرارها لا تمس الدولة إنما تهدف إلى إصلاح نظام الحكم في الدولة وتحقيق مصالح عامة للوطن وبالتالي فهي جريمة لا تنصب على مصالح فردية أو شخصية, 

كما ويمكن تعريف الجريمة السياسية على أنها عمل سياسي يجرمه القانون، فهي صورة للنشاط السياسي الذي حاد صاحبه عن الطريق الذي رسمه القانون فأقدم في سبيل تحقيق أهدافه على العنف في مواجهة الخصوم على أن يستبدل الأسلوب الذي يرخص به القانون أسلوباً يخطره (القانون)، ويخلص من ذلك أن الأصل في الجريمة السياسية أن تتجه إلى العدوان على الحقوق السياسية للدولة وأن تحمل على ارتكابها دوافع تتصل بتوجيه النشاط السياسي للدولة على نحو معين، كما ويمكن تعريف الجريمة السياسية على أنها الفعل الموجه ضد دستور الدولة وسلطاتها وسيادتها، ويمكن تعريفها على أنها كل اعتداء على النظام السياسي للدولة سواء من الداخل أو الخارج، ويمكن تعريفها على أنها الجريمة التي تعكر صفو النظام القائم الذي حددته القوانين الأساسية للبلاد بما فيه التنظيم الاجتماعي والحقوق والواجبات المنبثقة عنه.

 

الجريمة السياسية على مستوى التنظيم الدولي

في إطار وضع ضوابط محددة لتمييز الجريمة السياسية عن جرائم الحق العام، بذلت عدة جهود على مستوى المنتظم الدولي منذ نهاية القرن 19 كان من أهمها:

١- صدور قرار لمعهد القانون الدولي بجنيف صيف عام 1892 اعتبر أن الجرائم المرتكبة ضد أي كيان اجتماعي لا تعد جرائم سياسية كما هو الحال بالنسبــة للجرائم المرتكبة ضد أي دولة محددة أو أي شكل حكومي.

٢- تضمن التقرير المنجز في إطار المؤتمر السادس لتوحيد القانون الجنائي المنعقد في كوبنهاغن سنة 1935، ورقة مفصلة حول مفهوم الجريمــة السياسية رغم الانتقادات التي وجهت إليه، وتم من خلاله وضع تعريف للجريمة السياسية تبناه جميع أعضاء المؤتمر حُدد فيه ما يلي:

أ- الجرائم السياسية هي جرائم موجهة ضد تنظيم الدولة وسيرها، وكذلك الجرائم الموجهة ضد حقوق المواطن التي تشتق منها. وهي ما يطلق عليها اسم (الجرائم السياسية البحته).

ب- تعد جرائم سياسية الجرائم العادية التي تضع موضع التنفيذ الجرائم المذكورة في الفقرة السابقة، وكذلك الجرائم التي تسهل تنفيذ الإجرام السياسي أو التي تساعد الفاعل على الهرب من تطبيق القانون عليه.

ج- الجرائم التي تقترف بدافع دنيء والجرائم التي تولد خطرا مشتركا أو حالة إرهاب لا تعد جرائم سياسية.

٣- أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة في دورتها لسنة 1938، تعريفا للمجرم السياسي بكونه "الشخص الذي يبحث سلميا عن ممارسة أو تطوير حقوقه في حرية التفكير والرأي والتعبير، وكذا في تكوين الجمعيات والتجمعات وحق المشاركة في القضايا العامة“.

٤- الاتفاقية الدولية لقمع تمول الإرهاب لسنة 1999 (المادتان 14 و15(.

٥- اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية والمرافق النووية لسنة 1979 (المادة 11 أ والمادة 11 ب(.

٦- الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لسنة 1997 (المادة 11 و12(.

٧- الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي لسنة 1996 (المادتان 15 و16(.

٨- أقرت اتفاقية تسليم المجرمين التي أعدتها جامعة الدول العربية سنة 1953 في مادتها الرابعة عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين وقررت كذلك أن تقدير كون الجريمة سياسية متروك للدولة المطلوب إليها التسليم بينما يكون التسليم واجباً في جرائم الاعتداء على الملوك ورؤساء الدول أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم، جرائم الاعتداء على أولياء العهد، جرائم القتل العمد، الجرائم الإرهابية.

 

الفرق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية

أولاً: من حيث التعريف:

تُعرف الجريمة السياسية على أنها الجريمة التي يكون فيها اعتداء على نظام الحكم أو على أشخاص بوصف كونهم حكاماً أو على قادة الفكرة السياسي لآرائهم السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة بقصد تغيير الوضع السياسي في الدولة،

بينما تُعرف الجريمة العادية على أنها تلك الجرائم التي لا تعدو على نظام الدولة السياسي خارجياً أو داخلياً فكل ما لا يعد جريمة سياسية يعد جريمة عادية ومنها الجرائم الواقعة على الأموال كجرائم السرقة والاختلاس والنصب والاحتيال والجرائم الواقعة على الأشخاص كجرائم القتل والاغتصاب والإيذاء والجرائم الواقعة على المصلحة العامة كجرائم التزييف والتزوير وغيرها.

ثانياً: من حيث الباعث على ارتكاب الجريمة:

يعتبر الباعث وراء ارتكاب الجريمة السياسية هو باعث سياسي والغرض من اقترافها أيضاً سياسي، بينما يكون الباعث وراء ارتكاب الجريمة العادية هو باعث عادي، حيث أن الدافع وراء اقتراف الجرائم العادية هو دافعاً أنانياً دنيئاً يتعلق بالمصالح الشخصية بقصد جنائي بحت ومن غير باعث سياسي.

ثالثاً: من حيث المصالح التي تنطلق منها:

تنطلق الجرائم السياسية من مصالح عامة أو مصالح وطنية عمومية تهدف إلى إصلاح نظام الحكام وخدمة الوطن بينما تنطلق المصالح وراء ارتكاب الجرائم العادية هي مصالح شخصية فردية .

رابعاً: من حيث الحق المعتدى عليه:

يكون الحق المعتدى عليه في الجرائم السياسية هو حق سياسي حيث تقع الجرائم السياسية على الحقوق السياسية العامة أو الفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء، بينما يكون الحق المعتدى عليه في الجرائم العادية هي الحقوق الشخصية اللصيقة بحق الإنسان كالاعتداء على أموال الناس أو حياتهم أو جسدهم أو كرامتهم أو عائلاتهم.

خامساً: من حيث المعيار الذي يفرق بين الجرائم السياسية عن الجرائم العادية:

يكمن المعيار الذي يفرق الجرائم السياسية عن الجرائم العادية في الهدف أو الغرض أو الدافع أو الباعث الذي يتوخاه المجرم من اقترافه لنشاطه الإجرامي.

وبالتالي يمكن القول بأن كل جريمة ترتكب بدافع سياسي ويمس النواحي السياسية للدولة مثل نظام الحكم فيها أو لغاية سياسية متجردة عن الأنانية تعتبر جريمة سياسية وتتمثل في الأصناف التي تم ذكرها في التعريف وهي الاعتداء على رجال الدولة أو أصحاب السلك الدبلوماسي أو قادة الفكر السياسي أو أفراد أو جماعات لما يحملونه من أراء سياسية معارضة، بينما تعتبر كل جريمة ترتكب في الأحوال العادية ويكون باعثها عادياً بقصد جنائي يتعلق بالمصالح الشخصية أو من أجل دافع أناني انتقامي مشين تكون جريمة عادية وتتمثل إما في السرقة أو القتل أو الزنا أو غير ذلك من الجرائم العادية.

 

ضوابط الجريمة السياسية

لا تكون الجريمة من نوع جريمة سياسية إلا باجتماع مجموعة من الضوابط المحددة وهي على النحو التالي:

١- أن تكون الجريمة السياسية مقصودة وموجهة من أجل مصالح سياسية بحتة.

٢- أن تكون الجريمة السياسية موجهة ضد الدولة أو أحد رجالاتها أو حاكميها أو النظام السياسي القائم فيها أو ما يتصل بالدولة من نشاطات وشخصيات دبلوماسية أو هيئات أو مؤسسات حكومية فيها.

٣- أن تكون الجريمة السياسية منفصلة عن الأهواء والأغراض الشخصية أو المصالح الفردية الخاصة وبعيدة عن البواعث الشخصية والتي لها أثر في توجيه الفكر والرأي.

٤- أن تكون الجريمة السياسية من قِبل الدولة أو الحكومة ضد الجماعات أو الأفراد أو الشخصيات الإعتبارية فيها.

٥- أن يكون المجرم السياسي ذو قوة وشوكة لا بنفسه بل من معه من أشخاص يحملون نفس الرأي والفِكر الموجه.

 

دوافع الجريمة السياسية

كل سلوك يقف خلفه مجموعة من الدوافع والعوامل التي تفسر أسبابه والتي تعلل الهدف وراء انتهاج السلوك الإجرامي، فالجريمة السياسية بكافة أشكالها بدايةً من الكلام والانتقاد اللاذع وصولاً إلى الآراء المنحرفة حتى القتل والتدمير تعد سلوكاً يكمن خلفه دوافع، وعليه نستطيع القول بأن الدوافع المؤدية للجريمة السياسية تقوم على أساس الدوافع السياسية لدى الأفراد والجماعات، وهذه الدوافع تلحق بها مجموعة من الدوافع الأخرى التي تؤازرها وتساندها وهي على النحو التالي:

١- دوافع ثقافية: وتتمثل في توجيه الفكر والرأي.

٢- دوافع دينية: وتتمثل في الانتماء للدين أو التعصب له فكرياً أو عقائدياً.

٣- دوافع اجتماعية: وتتمثل في التعصب القبلي والنزعات الجاهلية.

٤- دوافع اقتصادية: وتتمثل في الفقر والبطالة وقلة موارد الرزق والفساد الإداري والمالي أو بهدف الإضرار باقتصاد دولة ما.

٥- دوافع قانونية: وتتمثل في تعديل قانون ما أو الاستفتاء الدستوري.

لذا فإن كل هذه الدوافع تؤدي إلى الجريمة السياسية ومن أبسط أفعالها جرائم الرأي والأفكار المنحرفة وصولاً إلى أقسى أفعالها وهي جرائم القتل والاغتيال والتدمير والتعذيب على خلفية الرأي السياسي المُعارض.

 

أنواع الجرائم السياسية

أولاً: الجرائم السياسية البسيطة: وهي الجرائم التي يُخالف مرتكبوها النظام العام في دولهم بآراء معينة منحرفة يبديها بعض الناس، ويؤدي نشرها إلى عث الفساد والإفساد أو التضليل والضلال، وتخلو هذه الجرائم من أعمال العنف والشغب، ومن الأمثلة على الجرائم السياسية البسيطة على النحو التالي:

أ- جريمة الاعتداء على الأديان: وهي الجريمة التي يتم من خلالها الاعتداء على الأديان السماوية أو المعتقدات الدينية أو الإساءة إلى الأشخاص الدينية المعتبرة.

ب- جريمة التضليل الإعلامي: وهي الجريمة التي يتم من خلالها استخدام الدعايات السوداء وترويج الشائعات والحرب النفسية ويكون القصد من هذه الجريمة نشر الأخبار الكاذبة والمغلوطة أو العمل على تهويل وتضخيم الأخبار الواقعة أو تزوير الحقائق وقلبها وتزييفها.

ثانياً: الجرائم السياسية المتوسطة: وهي الجرائم ذات الطابع السياسي والتي يرافقها بعض أعمال العنف والشغب والتخريب الظاهر دون الوصول إلى حد حمل السلاح أو الإيذاء الجسيم، ومن الأمثلة عليها جريمة المظاهرات الغير مرخص لها والتي يرافقها أفعال شغب وتخريب مادي أو معنوي.

ثالثاً: الجرائم السياسية الشديدة: وهي جرائم العنف السياسي ويتجسد هذا النوع بالجرائم التي تقع بالفعل، ويتم خلال هذه الجرائم قيام مرتكبيها بالعنف المسلح أو استخدام السلاح المباشر، حيث يقوم مرتكبيها وهم أتباع مذهب سياسي معين أو أصحاب قضية أو توجه معين أو من يخول الأمر إليهم من أجهزة خاصة تابعة للسلطة أو الحكومة أو من يعمل لصالحهم من أفراد مدنية أو عسكرية أو مرتزقة بقتل أشخاص أو أهداف محددة أو اغتيال أفراد أو اعتقالهم وذلك بسبب انتهاجهم أراء سياسية معارضة لرأيهم الشاذ أو بقصد تثبيت رجالهم أو قادتهم للحكم في الدولة وذلك تحت مسمى رأس الدولة أو أيديولوجية الدولة أو لخدمة مصالح دولتهم . 

 

أنواع الجرائم السياسية الشديدة

١- جرائم خطف أو قتل الرهائن من الشيوخ أو النساء أو الأطفال أو الأجانب أو الصحفيين أو الحقوقيين أو المحامين أو المثقفين أو الأكاديميين أو المستأمنين أو من في حكمهم من غير مبرر أو هدف مقصود.

٢- جرائم الاغتيال أو القتل لشخصيات من أعلام الدولة وقادتها.

٣- جرائم التجسس وكشف المستور وملاحقة المناضلين وإخبار العدو بأسرار المواطنين الداخليين أو الخارجيين.

 

الإرهاب والجريمة السياسية

أولاً: أوجه الاتفاق بين الإرهاب والجريمة السياسية: تلتقي الجريمة السياسية مع الإرهاب في العديد من الأوجه على النحو التالي:

١- كلا الجريمتين قد تقعان من شخص واحد كما يمكن أن تقعان من عدة أشخاص.

٢- تلتقي الجريمة السياسية مع أغلب جرائم الإرهاب في الهدف السياسي.

٣- إن الجريمة السياسية في حال تطورها ووصولها إلى مرحلة الحرب الأهلية يمكن أن تصل إلى مرحلة تقويض أمن المجتمع فتتفق مع الجرائم الإرهابية في إعاقتها للتنمية في مختلف المجالات.

٤- تتفق الجريمة السياسية مع الإرهاب في أن كلاهما عملاً غير مشروعاً ويعتبر مخالف للقانون.

ثانياً: أوجه الاختلاف بين الإرهاب والجريمة السياسية: تختلف الجريمة السياسية مع الإرهاب عدة أوجه على النحو التالي:

١- من حيث الدافع: المجرم في جريمة الإرهاب تحركه دوافع دنيئة قد تكون مجرد الحصول على أموال أو منافع أخرى، أما الجريمة السياسية ذو دوافع نبيلة حيث يقصد وراء ارتكابها والقيام بها النفع العام أو المصلحة العامة كتخليص الشعب من حكم الطاغية.

٢- من حيث أثار الجريمة: تتسم الجريمة الإرهابية بالعشوائية من ناحية الأهداف التي تصيبها والتي في الغالب أن تتخطى أثارها ما هو مخطط لأهدافها، فمثلاً الاعتداء على الأماكن السياحية في الدولة غالباً ما تمتد أثاره ليشمل السائحين الأجانب ومواطني الدولة الأبرياء وليس السائحين فقط وهم الطائفة المقصودة أصلاً من هذه الجريمة، أمـا الجريمة السياسية فالغالب ما تقتصر أثاره على محل وقوع الجريمة ومن ذلك على سبيل المثال الانقلابات العسكرية ضد الرؤساء ففي حالة نجاحها لا يتعدى أثارها غالباً شخص الرئيس المطاح به وغالباً ما تمتد أثارها في إزاحته عن الحكم فقط دون المساس به.

٣- من حيث طريقة وآلية تنفيذ الجريمة: في جرائم الإرهاب لا توجد وسيلة معينة لتنفيذها حيث أن كل الأسلحة مباحة في سبيل تنفيذ هذه الجريمة، بينما في الجرائم السياسية غالباً ما تتبع أسلوب أو وسيلة معينة في تنفيذها وتحقيقها.

٤- من حيث المعاملة العقابية للجاني في الجريمة: الجاني في الجريمة السياسية يُعامل معاملة عقابية خاصة مثل كاستفادته من ظروف التخفيف  أو العفو أو الأعذار المحلة، بينما الجاني في الجريمة الإرهابية فهو يعامل معاملة المجرم في الجرائم العادية ولا يعطى أعذار مخففة أو محلة من العقاب.

٥- من حيث العنف: العنف في الجريمة السياسية يكون عابراً وليس نهجاً، بينما في جرائم الإرهاب فغالباً ما يكون العنف نهج وأسلوب حيث أن سكان الدولة التي يقع بها الجرائم الإرهابية غالباً ما يعانوا من ظروف الخوف والهلع والرعب, فالقاعدة هي أن كل عمل إرهابي ينطوي على عمل من أعمال العنف السياسي بخلاف الجريمة السياسية فإنها لا تنطوي على عمل إرهابي.

٦- من حيث مبدأ تسليم المجرمين: مرتكب الجريمة السياسية مستثنى من مبدأ التسليم لعدم خطورته على الدولة التي يلجأ إليها إضافةَ لعدم وجود الميول الإجرامية لديه وعلى العكس فإنه من الممكن أن يحصل في غالب الأحيان على حالة اللجوء السياسي في حين فشل عن تحقيق أهدافه المتمثلة بالجريمة السياسية، بينما المجرم في الجريمة الإرهابية فإنه يجب تسليمه إلى دولته في حال لجأ إلى أي دولة أخرى، وبحسب معظم دساتير الدول والاتفاقيات الإقليمية والدولية فإنه لم تنص على وجوب تسليم المجرمين في الجريمة السياسية بخلاف المجرم في الجريمة الإرهابية.

٧- من حيث نطاق الجريمة: الجرائم السياسية هي جرائم داخلية ينحصر العقاب عليها وفقاً لأحكام القوانين الجنائية العقابية الوطنية، بينما الجرائم الإرهابية قد تخرج من نطاق الجرائم الداخلية وتصبح جرائم خارجية بحيث تصبح جريمة دولية مجرمة وفقاً لقواعد القانون الجنائي الدولي ولكن الجريمة الإرهابية تبقى محصورة ضمن نطاق الاختصاص القضائي الوطني ولا تخرج لنطاق الاختصاص القضائي الدولي المتمثل بمحكمة الجنايات الدولية وذلك طبقاً لنص المادة 5 من النظام الأساسي لروما.

 

المصادر والمراجع:

هيثم سليمان العطروز، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان: الجريمة السياسية وتطبيقاتها في الأردن، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، 1998، الأردن.

أبو نزار، تعريف الجريمة في اللغة (المفهوم اللغوي) ، منشور عبر: مدونة الجريمة والانحراف، 2016/4/9، 5:31.

هشام الملاطي، مفهوم الجريمة السياسية، منشور عبر: منصة هسبريس، 2012.

نسيمة بن ددوش، عباسة طاهر، الجريمة السياسية بأبعادها القانونية المختلفة، مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد 17، 2018، مركز جيل البحث العلمي، الجزائر.

هاني رفيق عوض، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير بعنوان: الجريمة السياسية ضد الأفراد : دراسة فقهية مقارنة، كلية الشريعة والقانون ، الجامعة الإسلامية، 2009, غزة - فلسطين.

عمراني كمال الدين، جرائم الإرهاب والجريمة السياسية : دراسة مقارنة، مجلة الفقه والقانون، العدد 13، 2013، المركز الجامعي بالنعامة، الجزائر.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia